الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{نُور على نُور} قال مجاهد: النار على الزيت.وقال ابن السائب: المصباح نور، والزجاجة نور.وقال أبو سليمان الدمشقي: نور النار، ونور الزيت، ونور الزجاجة، {يهدي الله لنوره} فيه أربعة أقوال:أحدها: لنور القرآن.والثاني: لنور الإِيمان.والثالث: لنور محمد صلى الله عليه وسلم.والرابع: لدينه الإِسلام.فصل:فأما وجه هذا المَثَل، ففيه ثلاثة أقوال:أحدها: أنه شبَّه نور محمد صلى الله عليه وسلم بالمصباح النيِّر؛ فالمشكاة جوف رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمصباح النور الذي في قلبه، والزجاجة قلبه، فهو من شجرة مباركة، وهو إِبراهيم عليه السلام، سماه شجرة مباركة، لأن أكثر الأنبياء من صُلْبه.{لا شرقية ولا غربية} لايهودي ولا نصراني، يكاد محمد صلى الله عليه وسلم يتبيَّن للناس أنه نبيٌّ ولو لم يتكلَّم.وقال القرظي: المشكاة: إِبراهيم، والزجاجة: إِسماعيل، والمصباح: محمد، صلى الله عليه وعليهم وسلَّم.وقال الضحاك: شبّه عبد المطلب بالمشكاة، وعبد الله بالزجاجة، ومحمدًا صلى الله عليه وسلم بالمصباح.والثاني: أنه شبّه نور الإِيمان في قلب المؤمن بالمصباح، فالمشكاة: قلبه، والمصباح: نور الإِيمان فيه.وقيل: المشكاة: صدره، والمصباح: القرآن والإِيمان اللَّذان في صدره، والزجاجة: قلبه، فكأنه مما فيه من القرآن والإِيمان كوكب مضيء تَوَقَّد من شجرة، وهي الإِخلاص، فمثل الإِخلاص عنده كشجرة لا تصيبها الشمس، فكذلك هذا المؤمن قد احترس من أن تصيبه الفتن، فإن أُعطي شكر، وإِن ابتُلي صبر، وإِن قال صدق، وإِن حكم عدل، فقلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيَه العلم، فإذا جاءه العلم ازداد هدىً على هدىً كما يكاد هذا الزيت يضيء قبل أن تمسَّه النار، فإذا مسَّته اشتد نُوره، فالمؤمن كلامه نُور، وعمله نُور، ومدخله نور، ومخرجه نور، ومصيره إِلى نور يوم القيامة.والثالث: أنه شبّه القرآن بالمصباح يُستضَاء به ولا ينقص، والزجاجة: قلب المؤمن، والمشكاة: لسانه وفمه، والشجرة المباركة: شجرة الوحي، تكاد حُجج القرآن تتضح وإِن لم تُقرأ.وقيل: تكادُ حجج الله تضيء لمن فكَّر فيها وتدبَّرها ولو لم ينزل القرآن، {نُور على نُور} أي: القرآن نُور من الله لخلقه مع ماقد قام لهم من الدلائل والأعلام قبل نزول القرآن.قوله تعالى: {ويَضْرِبُ اللّهُ الأمثال} أي: ويبيِّن الله الأشباه للناس تقريبًا إِلى الأفهام وتسهيلًا لسبل الإِدراك. اهـ.
.قال القرطبي: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}.النور في كلام العرب: الأضواء المدركة بالبصر.واستعمل مجازًا فيما صح من المعاني ولاح؛ فيقال منه: كلام له نور.ومنه الكتاب المنير، ومنه قول الشاعر:والناس يقولون: فلان نور البلد، وشمس العصر وقمره.قال: وقال آخر: وقال آخر: فيجوز أن يقال: لله تعالى نور، من جهة المدح لأنه أوجد الأشياء، ونورُ جميع الأشياء منه ابتداؤها وعنه صدورها، وهو سبحانه ليس من الأضواء المدركة جلّ وتعالى عما يقول الظالمون عُلُوًّا كبيرًا.وقد قال هشام الجوالقي وطائفة من الْمُجَسِّمة: هو نور لا كالأنوار، وجسم لا كالأجسام.وهذا كله محال على الله تعالى عقلًا ونقلًا على ما يعرف في موضعه من علم الكلام.ثم إن قولهم متناقض؛ فإن قولهم جسم أو نور حكمٌ عليه بحقيقة ذلك، وقولهم لا كالأنوار ولا كالأجسام نفيٌ لما أثبتوه من الجسمِيّة والنور؛ وذلك متناقض، وتحقيقه في علم الكلام.والذي أوقعهم في ذلك ظواهر اتبعوها منها هذه الآية، وقوله عليه السلام إذا قام من الليل يتهجّد: «اللَّهُمَّ لك الحمد أنت نور السموات والأرض».وقال عليه السلام وقد سئل: هل رأيت ربّك؟ فقال: «رأيت نورًا» إلى غير ذلك من الأحاديث.واختلف العلماء في تأويل هذه الآية؛ فقيل: المعنى أي به وبقدرته أنارت أضواؤها، واستقامت أمورها، وقامت مصنوعاتها.فالكلام على التقريب للذهن؛ كما يقال: الملِك نور أهل البلد؛ أي به قِوام أمرها وصلاحُ جملتها؛ لجَرَيان أموره على سنن السّداد.فهو في الملِك مجاز، وهو في صفة الله حقيقة محضة؛ إذ هو الذي أبدع الموجودات وخلق العقل نورًا هاديًا؛ لأن ظهور الموجود به حصل كما حصل بالضّوْء ظهور المبصَرات، تبارك الله تعالى لا ربّ غيره.قال معناه مجاهد والزهري وغيرهما.قال ابن عرفة: أي منوّر السموات والأرض.وكذا قال الضحاك والقُرَظي.كما يقولون: فلان غياثنا؛ أي مغيثنا.وفلان زادي، أي مزوّدي.قال جرير: أي ذو وَرَق.وقال مجاهد: مدبّر الأمور في السموات والأرض.أُبَيّ بن كعب والحسن وأبو العاليَة: مزيّن السموات بالشمس والقمر والنجوم، ومزيّنُ الأرض بالأنبياء والعلماء والمؤمنين.وقال ابن عباس وأنس: المعنى الله هادي أهل السموات والأرض.والأول أعمّ للمعاني وأصح مع التأويل.قوله تعالى: {مَثَلُ نُورِهِ} أي صفة دلائله التي يقذفها في قلب المؤمن؛ والدلائل تسمى نورًا.وقد سمَّى الله تعالى كتابه نُورًا فقال: {وَأَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا} [النساء: 174] وسمى نبيّه نورًا فقال: {قَدْ جَاءَكُمْ مِّنَ الله نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ} [المائدة: 15].وهذا لأن الكتاب يهدي ويبيّن، وكذلك الرسول.ووجه الإضافة إلى الله تعالى أنه مثبت الدلالة ومبيِّنها وواضعها.وتحتمل الآية معنى آخر ليس فيه مقابلة جزء من المثال بجزء من الممثّل به، بل وقع التشبيه فيه جملة بجملة، وذلك أن يريد مَثَل نور الله الذي هو هداه وإتقانه صنعة كل مخلوق وبراهينه الساطعة على الجملة، كهذه الجملة من النور الذي تتخذونه أنتم على هذه الصفة، التي هي أبلغ صفات النور الذي بين أيدي الناس؛ فمثل نور الله في الوضوح كهذا الذي هو منتهاكم أيها البشر.والمِشْكاة: الكَوّة في الحائط غير النافذة؛ قاله ابن جبير وجمهور المفسرين، وهي أجمع للضوء، والمصباحُ فيها أكثر إنارة منه في غيرها، وأصلها الوعاء يجعل فيه الشيء.والمشكاة وعاء من أَدَم كالدَّلْو يبرّد فيها الماء؛ وهو على وزن مِفعلة كالمِقراة والمِصْفاة.قال الشاعر: وقيل: المِشْكاة عمود القِنديل الذي فيه الفتِيلة.وقال مجاهد: هي القنديل.وقال {في زجاجة} لأنه جسم شفاف، والمصباح فيه أنور منه في غير الزجاج.والمصباح: الفتيل بناره.{كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} أي في الإنارة والضوء.وذلك يحتمل معنيين: إما أن يريد أنها بالمصباح كذلك، وإما أن يريد أنها في نفسها لصفائها وجودة جوهرها كذلك.وهذا التأويل أبلغ في التعاون على النور.قال الضحاك: الكوكب الدُّرِّي هو الزُّهرة.قوله تعالى: {يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ} أي من زيت شجرة، فحذف المضاف.والمباركة المُنَمّاة؛ والزيتون من أعظم الثمار نَماء، والرمان كذلك.والعيان يقتضي ذلك.وقول أبي طالب يرثي مسافر بن أبي عمرو بن أميّة بن عبد شمس: وقيل: من بركتهما أن أغصانهما تُورق من أسفلها إلى أعلاها.وقال ابن عباس: في الزيتون منافع، يُسرج بالزيت، وهو إدام ودِهان ودِباغ، ووَقود يوقد بحطبه وتُفْله، وليس فيه شيء إلا وفيه منفعة، حتى الرَّماد يغسل به الإِبْرِيسِم.وهي أول شجرة نبتت في الدنيا، وأوّل شجرة نبتت بعد الطوفان، وتنبت في منازل الأنبياء والأرض المقدسة، ودعا لها سبعون نبيًّا بالبركة؛ منهم إبراهيم، ومنهم محمد صلى الله عليه وسلم فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللَّهُمَّ بارك في الزيت والزيتون» قاله مرتين.قوله تعالى: {لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ} اختلف العلماء في قوله تعالى: {لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ} فقال ابن عباس وعكرمة وقتادة وغيرهم: الشرقية التي تصيبها الشمس إذا شَرَقت ولا تصيبها إذا غَرَبت؛ لأن لها سترًا.والغربِيّة عكسها؛ أي أنها شجرة في صحراء ومنكشف من الأرض لا يواريها عن الشمس شيء وهو أجود لزَيْتِها، فليست خالصة للشرق فتسمَّى شرقية ولا للغرب فتسمَّى غربِيّة، بل هي شرقية غربية.وقال الطبري عن ابن عباس: إنها شجرة في دَوْحة قد أحاطت بها؛ فهي غير منكشفة من جهة الشرق ولا من جهة الغرب.قال ابن عطية: وهذا قول لا يصح عن ابن عباس؛ لأن الثمرة التي بهذه الصفة يفسد جناها، وذلك مشاهد في الوجود.وقال الحسن: ليست هذه الشجرة من شجر الدنيا، وإنما هو مَثَل ضربه الله تعالى لنوره، ولو كانت في الدنيا لكانت إمّا شرقية وإمّا غربية.الثعلبيّ: وقد أفصح القرآن بأنها من شجر الدنيا؛ لأنها بدل من الشجرة، فقال: {زيتونة}.وقال ابن زيد: إنها من شجر الشأم؛ فإن شجر الشأم لا شرقيّ ولا غربيّ، وشجر الشأم هو أفضل الشجر، وهي الأرض المباركة.و{شرقيةٍ} نعت ل {زيتونَةٍ} و{لا} ليست تحول بين النعت والمنعوت، {ولا غربية} عطف عليه.قوله تعالى: {يَكَادُ زَيْتُهَا يضياء وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} مبالغة في حسنه وصفائه وجودته.
|